أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - -النسبية-.. آراء وأمثلة















المزيد.....



-النسبية-.. آراء وأمثلة


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 1735 - 2006 / 11 / 15 - 12:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نظرية "النسبية ("النسبية الخاصة" و"النسبية العامة")" لآينشتاين ليس كمثلها نظرية فيزيائية، أو علمية، في استعصائها وعُسْرِها، فالعقل الذي لا يثور على ما يستبد به من مسلَّمات، أكانت مفاهيم وأفكار أم طرائق في التفكير والنظر إلى الأمور، لن يَسْهُل عليه هضم وتَمَثُّل مفاهيمها وأفكارها.

إنَّ "جوهر" نظرية "النسبية" يمكن فهمه في وضوح عَبْر المثال الافتراضي الآتي: ثمة مركبة فضائية انطلقت من كوكب الأرض نحو كوكب يبعد عن الأرض 100,000 متر. وكانت السرعة التي بلغتها بَعْدَ "تسارُع"، 800 متر في الثانية الواحدة. أمَّا الضوء فسأفْتَرِض، ضمن هذا المثال الافتراضي، أنَّ سرعته في الفراغ 1000 متر في الثانية الواحدة.

بالنسبة إلى "المراقِب الأرضي"، يصل الضوء المنطلِق من كوكب الأرض إلى ذلك الكوكب في زمن أرضي مقداره 100 ثانية. وبالنسبة إليه أيضا تصل المركبة إلى ذلك الكوكب في زمن أرضي مقداره 125 ثانية، أي أنَّ رحلتها، ذهابا وإيابا ستستغرق (في حال عادت فورا إلى الأرض) 250 ثانية.

بعض تلك الأرقام سيتغيَّر بالنسبة إلى المراقِب الآخر، أي بالنسبة إلى المسافر على متن المركبة. بالنسبة إليه، أي بالنسبة إلى ساعته، لن تستغرق رحلته، ذهابا وإيابا، 250 ثانية، وإنما (على سبيل الافتراض الذي يكمن فيه مبدأ من أهم مبادئ نظرية "النسبية") 50 ثانية فحسب (25 ثانية ذهابا + 25 ثانية إيابا).

هذا المسافر أراد قياس سرعة الضوء، بغض النظر عن مَصْدَر الضوء وسرعة هذا المَصْدَر وسرعة مركبته، فاكتشف أنها لم تتغيَّر، لم تزد، ولم تنقص. لقد ظلت 1000 متر في الثانية الواحدة. أمَّا السرعة التي بلغتها مركبته فظلَّت، بالنسبة إليه، وبالنسبة إلى "المراقِب الأرضي"، 800 متر في الثانية الواحدة. مهما زادت سرعة مركبته فإنها لن تصبح أبدا 1000 متر في الثانية الواحدة؛ ذلك لأنَّ سرعة الضوء هي السرعة التي لا تفوقها سرعة في الكون، وليس من جسم، أو جسيم، له كتلة يمكن أن يبلغ، في سرعته، سرعة الضوء، أو أن يتجاوزها.

كم المسافة الفضائية التي قطعتها المركبة، ذهابا وإيابا؟ بالنسبة إلى "المراقِب الأرضي"، كانت المسافة 200,000 متر، يقطعها الضوء في زمن أرضي مقداره 200 ثانية. أمَّا بالنسبة إلى المسافر على متن المركبة، فَلَمْ تزد المسافة عن 40,000 متر (20,000 متر ذهابا + 20,000 متر إيابا) يقطعها الضوء في زمن مقداره 40 ثانية (20 ثانية ذهابا + 20 ثانية إيابا) بحسب ساعة المركبة. لقد اخْتُصِرت المسافة وتقلَّصت.

إذا انطلقت المركبة في تمام الساعة الثامنة صباحا بحسب الساعتين (ساعة "المراقِب الأرضي" وساعة المسافر) فإنها تعود إلى كوكب الأرض بعد 250 ثانية بحسب ساعة "المراقِب الأرضي"، وبعد 50 ثانية بحسب ساعة المسافر. لقد تأخَّرت كثيرا ساعة المسافر، وكأن الثانية الواحدة عنده تعدل 5 ثوانٍ أرضية. المسافر زاد عمره 50 ثانية فحسب. أما "المراقِب الأرضي" فزاد عمره 250 ثانية.

طول المركبة، قبل انطلاقها من كوكب الأرض، كان (على سبيل الافتراض) 2000 متر. بعد انطلاقها، وفي أثناء سيرها الفضائي، أصبح طولها، بحسب قياس "المراقِب الأرضي" له، 400 متر. لقد تقلَّص طولها في اتجاه حركتها. لو أنَّ ضوءا، قبل انطلاقها، انطلق من مُقَدَّم المركبة إلى مُؤخَّرِها، لوصله في زمن أرضي 2 ثانية. ولو أنَّ ضوءا، بعد انطلاقها وفي أثناء سيرها الفضائي، انطلق من مُقَدَّمها إلى مؤخَّرِها لوصله في زمن أرضي مقداره 40 في المئة من الثانية، فطول المركبة تقلَّص، وأصبح 400 متر. أمَّا بالنسبة إلى المسافر فإنَّ طول المركبة لم يتغيَّر، أي لم ينقص. لقد ظل 2000 متر؛ لأنَّ المتر الذي لديه، والذي به يقيس الأطوال، قد تقلَّص، وأصبح يعدل 20 في المئة من المتر الأرضي. والضوء ذاك، بالنسبة إليه، يصل إلى مُؤخَّر المركبة في زمن مقداره 2 ثانية بحسب ساعته.

هل تقلَّص طول المركبة في اتجاه حركتها؟ الجواب هو "نعم" بالنسبة إلى "المراقِب الأرضي"، و"لا" بالنسبة إلى المسافر. هل اخْتُصِرَت "المسافة الفضائية"، أي المسافة بين الكوكبين؟ الجواب هو "نعم" بالنسبة إلى المسافر، و"لا" بالنسبة إلى المراقِب "الأرضي".

المركبة سارت بسرعة "شبه ضوئية"، أي بسرعة 800 متر في الثانية الواحدة، بحسب مثالنا، الذي بحسبه، أيضا، تبلغ سرعة الضوء 1000 متر في الثانية الواحدة. ورَأيْنا من النتائج المترتبة على سير المركبة بسرعة "شبه ضوئية": "تباطؤ"، أو "تأخُّر"، أو "تمدد"، الزمن في المركبة، بالنسبة إلى ساعة "المراقِب الأرضي". هذا المراقِب يَنْظُر إلى ساعة المسافِر فيرى أنَّ عقرب الدقائق فيها يُكْمِل دورة واحدة كل 5 دقائق أرضية، فيقول إنَّ الزمن في المركبة يتأخَّر، أو يسير في بطء؛ وقد يقول إنَّه "يتمدَّد".

ولفهم معنى "التمدُّد"، دعونا نتخيَّل أنَّ عقرب الدقائق في ساعة المسافر يسير، أو يظل يسير، بسرعة ثابتة؛ ولكن محيط دائرة ساعته (الدورة) اتَّسع، وكان يزداد اتِّساعا، أو تمدُّدا. وهذا "التمدُّد الزمني" هو الوجه الآخر لقولنا إنَّ الزمن في المركبة "يتركَّز"، ويزداد تركُّزا، فالدقيقة الواحدة في ساعة المسافر تعدل 5 دقائق في ساعة "المراقِب الأرضي".

ورَأيْنا، من تلك النتائج، أنَّ كل مسافة فضائية بين المركبة وبين كل جسم كوني (كوكب أو نجم..) تتجه إليه لا بد لها من أن تُخْتَصَر أكثر مع كل زيادة في سرعة المركبة. وهذا الاختصار "النسبي"، أي نسبة إلى المسافر، يمكن ويجب تفسيره على أنه ثمرة "تمدُّد (أو تباطؤ) الزمن"، في المركبة.

ورَأيْنا أنَّ طول المركبة يتقلَّص في اتجاه حركتها، بالنسبة إلى "المراقِب الأرضي". وهذا التقلُّص إنَّما هو تقلُّص حقيقي وفعلي، وإنْ كان المسافر لا يدركه؛ لأنَّ المتر الذي لديه قد تقلَّص هو، أيضا، وبالنسبة ذاتها.

إنَّ للمركبة ثلاثة أبعاد هي "الطول" و"العرض" و"الارتفاع". طولها فحسب هو الذي يتقلَّص في اتجاه حركتها، أي أنَّ التقلَّص لا يشمل عرضها، أو ارتفاعها. ولكن "حجم" المركبة لا بد له من أن يتقلَّص هو أيضا بسبب تقلُّص طولها.

المركبة، ما أن انطلقت في رحلتها، حتى شرعت "تتسارع"، أي تزداد سرعة، حتى بلغت السرعة "شبه الضوئية (800، أو 900، أو 990، متر في الثانية الواحدة)". هذا التسارع يستمر؛ ولكنَّ معدَّله يتضاءل، فإذا كان معدَّل التسارع، في البدء، 20 مترا في الثانية، فإنه يصبح 18 مترا، ثمَّ 15 مترا، ثمَّ 4 أمتار.

ومع كل تسارع تزداد "كتلة" المركبة. ومع كل تضاؤل في معدَّل التسارع يرتفع معدَّل الزيادة في الكتلة. إنَّ نسبة الزيادة في الكتلة هي ذاتها نسبة التقلُّص في طول المركبة في اتجاه حركتها، وهي ذاتها، أيضا، نسبة التمدُّد، أو التباطؤ، الزمني في المركبة.

ومع كل تضاؤل في "الحجم"، وتزايد في "الكتلة"، ترتفع "الكثافة المادية" للمركبة، وتشتد "جاذبيتها" وتعظُم، كما تشتد وتعظُم الجاذبية عند سطح المركبة. إنَّ "الزمان ـ المكان (الزمكان)" الخاص بالمركبة يزداد انحناءً.

قوانين "النسبية" هي وحدها التي تسمح لنا بتصديق الآتي: إنسان عمره 30 سنة، سافر في مركبة فضائية تسير بسرعة "شبه ضوئية" إلى كوكب يبعد عن الأرض 50 مليون سنة ضوئية، فاستغرقت رحلته، ذهابا وإيابا، 10 دقائق بحسب ساعته. عند عودته إلى الأرض، كان عمره قد زاد 10 دقائق فحسب؛ ولكن عمر الأرض زاد نحو 60 مليون سنة!

هذا الكوكب يبعد عن الأرض مسافة يمكن أن يجتازها الضوء في زمن أرضي مقداره 40 دقيقة (2400 ثانية). من حقيقة أن لا شيء في مقدوره أن يسير بسرعة أكبر من سرعة الضوء نستنتج الآتي: لا يمكننا أبدا الوصول إلى هذا الكوكب في زمن يقل عن 40 دقيقة.

هذا الاستنتاج خاطئ؛ لأننا ضربنا صفحا عن حقيقة أخرى لا تقل أهمية هي أنَّ تزايد السرعة يؤدي إلى إبطاء سير الزمن.

لنفرض أننا انطلقنا نحو الكوكب على متن "صاروخ آينشتاين" بسرعة مقدارها 240 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. هذا يعني أننا سنصل إلى الكوكب بعد مضي 50 دقيقة (3000 ثانية) بالنسبة إلى سكان الأرض. أمَّا بالنسبة إلينا نحن المسافرين على متن "صاروخ آينشتاين" فإنَّ هذا المقدار الزمني (50 دقيقة) سيقل ليعدل 6 أعشاره إذا بلغت سرعة الصاروخ 240 ألف كيلومتر في الثانية، أي أننا سنصل إلى الكوكب ليس بعد 50 دقيقة (3000 ثانية) من بدء رحلتنا، وإنما بعد 30 دقيقة (1800 ثانية).

وكلما تسارع الصاروخ، أي كلما زادت سرعته عن 240 ألف كيلومتر في الثانية، تضاءل الزمن الذي يستغرقه وصولنا إلى الكوكب (30 دقيقة، ثم 20 دقيقة، ثم 10 دقائق، ثم دقيقة واحدة، ثم 10 ثوانٍ). وقد نصل إلى الكوكب ونعود منه إلى الأرض في زمن مقداره (بحسب ساعة الصاروخ) 5 ثوانٍ مثلا. ومع ذلك، سيؤكِّد لنا سكان الأرض عند عودتنا أنَّ رحلتنا، ذهابا وإيابا، لم تستغرق 5 ثوانٍ، وإنما ما يزيد قليلا عن 80 دقيقة (4800 ثانية) بحسب الساعة الأرضية.

هذا الكوكب يبعد عن الأرض 40 دقيقة ضوئية (2400 ثانية ضوئية). إنه يبعد عنها 1,440,000,000 كيلومتر. ولكن كم يبعد عن الأرض بحسب قياسنا نحن المسافرين على متن "صاروخ آينشتاين" للمسافة؟ إنه يبعد عن الأرض بُعْدا مختلفا باختلاف سرعة صاروخنا، أي باختلاف التباطؤ الزمني لساعة الصاروخ. إذا كانت سرعة صاروخنا تسمح لنا بالوصول إلى الكوكب في زمن مقداره 30 دقيقة (1800 ثانية) بحسب ساعة الصاروخ فهذا إنما يعني أنَّ الكوكب يبعد عن الأرض (بحسب كل وسائل قياس المسافة التي لدينا) 540,000,000 كيلومتر. أمَّا إذا كانت سرعة صاروخنا تسمح لنا بالوصول إلى الكوكب في زمن مقداره دقيقة واحدة (60 ثانية) بحسب ساعة الصاروخ فهذا إنما يعني أنَّ الكوكب يبعد عن الأرض (بحسب كل وسائل قياس المسافة التي لدينا) 18,000,000 كيلومتر.

امرأتان كلتاهما في الشهر الأول من الحَمْل. إحداهما سافرت في مركبة فضائية، تسير بسرعة 280 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، إلى كوكب يبعد عن الأرض 15 سنة ضوئية. رحلتها استغرقت ذهابا وإيابا 3 أشهر بحسب ساعتها. عند عودتها إلى الأرض، بلغ عمر جنينها 4 أشهر لا غير. ولكنها تفاجأت إذ عَلِمَت أنَّ المرأة الحامل الأخرى قد أنجبت ولدا يبلغ من العمر الآن 25 سنة.

المثال ذاته في شكل آخر: المرأة المسافرة سافرت في مركبة فضائية سرعتها 280 ألف كيلومتر في الثانية الوحدة إلى كوكب يبعد عن الأرض 100 ثانية ضوئية. رحلتها، ذهابا وإيابا، استغرقت 10 ثوانٍ بحسب ساعتها. كل ما تملكه المسافرة من وسائل لقياس سرعة مركبتها أكَّدت لها أنَّ سرعتها ظلت 280 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة (بحسب ساعتها).

والمرأة غير المسافرة كانت متأكِّدة هي أيضا أنَّ سرعة المركبة، بحسب وسائل قياس السرعة التي لديها، ظلت 280 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة (بحسب الساعة الأرضية). لو سُئِلَت المرأة المسافرة عن مقدار المسافة الفضائية التي قطعتها، ذهابا وإيابا، لأجابت قائلة: 2,800,000 كيلومتر، يقطعها الضوء في زمن مقداره (بحسب ساعتها) 9 ثوانٍ، وكأن الكوكب يبعد عن الأرض 4.5 ثانية ضوئية. أما لو سُئِلَت المرأة غير المسافرة السؤال ذاته لأجابت قائلة: 60 مليون كيلومتر، قطعتها المركبة في زمن أرضي مقداره 214 ثانية". إنَّ كل ثانية عند المسافرة تعدل 21.4 ثانية عند غير المسافرة.

إذا سافر أحد التوأمين في مركبة فضائية بسرعة تقارب سرعة الضوء فسيَكْتَشِف بعد (وليس قبل) عودته إلى الأرض أنَّ أخاه صار يَكْبُرُه بنحو 50 سنة مثلا. المسافر، في هذا المثال، لا يُدْرِك، في أثناء رحلته الفضائية، أنَّ الوقت عنده يتأخَّر، كما لا يُدْرِك أنَّ طول مركبته قد تقلَّص في اتجاه حركتها. عندما يعود إلى الأرض، ويرى أنَّ توأمه قد أصبح يَكْبُره عمرا، يُدْرِك أنَّ الوقت عنده، وفي أثناء رحلته، كان يسير متأخِّرا عن الساعة الأرضية. ولكنه لن يُدْرِك أنَّ طول مركبته قد تقلَّص، في أثناء الرحلة.

عند عودة المسافر، يتأكَّد شقيقه أنَّ ما رآه من تأخُّر للوقت عند ذاك، في أثناء رحلته، لم يكن وهما، وإنما حقيقة؛ ولكنه لن يتأكَّد تأكُّدا مماثلا في قوته أنَّ المركبة تقلَّص طولها في أثناء الرحلة.

المسافر، في أثناء رحلته، كان يرى أنَّ الوقت لا يتأخَّر عنده، وإنما عند شقيقه في الأرض، فماذا سيقول عند عودته؟ كان يتوقَّع أن يعود ليرى شقيقه في الأرض يَصْغُره عمرا، فإذا به يراه يَكْبُره عمرا.

هذا المسافر، المؤمِن بأنَّ مركبته لم تَسِرْ، وليس في مقدورها أبدا أن تسير، بسرعة الضوء، سيؤمِن، أيضا، بأن المسافة الفضائية التي قطعها ذهابا وإيابا قد اخْتُصِرَت، فهو في زمن مقداره (بحسب ساعته) 10 دقائق مثلا، وفي سرعة 270 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة مثلا، قطع، ذهابا وإيابا، مسافة فضائية، كانت تُقدَّر قبل الانطلاق (من الأرض) في رحلته، بنحو 40 سنة ضوئية مثلا. أما شقيقه التوأم فيؤمن إيمانا لا يقل قوة بأن المسافة تلك لم تُخْتَصَر، وبأن المسافر قد قطع مسافة فضائية، ذهابا وإيابا، لا تقل عن 40 سنة ضوئية، وبأنه قطعها في زمن مقداره 50 سنة مثلا بحسب الساعة الأرضية.

بعض الجسيمات الأولية هو من النوع "غير المستقر"، أي أنَّ الجسيم الأولي من هذا النوع ينحل ويتفكك بعد مضي بعض من الوقت (الذي يقيسه مراقب أرضي مثلا). ويَنْتُج من انحلاله وتفككه جسيمات أولية مختلفة.

لو جئنا بجسيمين أوليين غير مستقرين؛ ولكن من النوع ذاته، وجعلنا أحدهما متحرِّكا في سرعة أكبر كثيرا. كلاهما سينحل ويتفكك؛ ولكن الجسيم الذي جعلناه متحرِّكا في سرعة أكبر كثيرا سيستغرق انحلاله وتفككه وقتا أطول بكثير (بالنسبة إلى ساعة المراقب الأرضي) من الوقت الذي يستغرقه انحلال وتفكك الجسيم الآخر (الساكن، أو المتحرِّك في سرعة أقل كثيرا). هذا إنما يعني أنَّ حياة (أو عمر) الجسيم الأسرع ستكون أطول من حياة الجسيم الساكن، أو الأقل سرعة، بالنسبة إلى ساعة المراقب الأرضي.

الـ "ميون" هو جسيم أولي "غير مستقر"، فهو يتحوَّل إلى إلكترون في زمن مقداره 2.2 ميكرو ثانية (بحسب ساعة المراقب الأرضي) أي أنَّ عمره لا يزيد عن 2.2 ميكرو ثانية. في "مسرِّع"، زيدت سرعة الـ "ميون" حتى بلغت 99 في المئة من سرعة الضوء؛ ثم قيس عمره، فوُجِد أنه زاد، وأصبح يبلغ 16 ميكرو ثانية (بحسب ساعة المراقب الأرضي) أي أنه لا يتحول إلى إلكترون إلا في زمن أرضي مقداره 16 ميكرو ثانية.

تخيلوا أنَّ الـ "ميون" عاقلا كالإنسان، وأنَّ معه ساعة. وتخيلوا أن عمره، بحسب ساعته، 2 ميكرو ثانية، أي أنه لا ينحل ويتفكك ويتحول إلى إلكترون إلا بعد انقضاء 2 ميكرو ثانية (بحسب ساعته) على ولادته. لقد جئنا به إلى "مسرِّع"، وزدنا سرعته حتى بلغت 99 في المئة من سرعة الضوء.

بالنسبة إلينا، طال عمره حتى أصبح 16 ميكرو ثانية. أما بالنسبة إليه، أي بالنسبة إلى ساعته، فإنَّ عمره لم يزد، ولم ينقص، إذ ظل 2 ميكرو ثانية. إنَّ كل ميكرو ثانية من عمره أصبحت تعدل 8 ميكرو ثانية بحسب الساعة الأرضية. ولو زدنا سرعته أكثر لأصبح كل ميكرو ثانية من عمره (الذي يبلغ 2 ميكرو ثانية بحسب ساعته) يعدل، مثلا، 15 ميكرو ثانية بحسب ساعة المراقب الأرضي.

وتخيلوا ذرة الهيدروجين على أنها تُطْلِق "كريَّات". عندما تكون ساكنة، تُطْلِق في الدقيقة الواحدة، بحسب ساعة المراقب الأرضي، 60 كريَّة، أي كريَّة واحدة كل ثانية، بحسب ساعة المراقب الأرضي. وعندما تتحرَّك في سرعة "شبه ضوئية"، تُطْلِق في الدقيقة الواحدة، بحسب ساعة المراقب الأرضي، 6 كريَّات فقط، أي كريَّة واحدة كل 10 ثوانٍ، بحسب ساعة المراقب الأرضي. ولنفترِض أنَّ ذرة الهيدروجين، وبحسب ساعتها هي، تُطْلِق 60 كريَّة في الدقيقة الواحدة. بالنسبة إليها، أي بالنسبة إلى ساعتها، تظل ذرة الهيدروجين تُطْلِق 60 كريَّة في الدقيقة الواحدة، أكانت ساكنة أم متحرِّكة، أكانت تتحرَّك بسرعة صغيرة أم بسرعة "شبه ضوئية".

هذا المثال إنما يشبه مثال "عدد نبضات قلب الإنسان في الدقيقة الواحدة". إنَّ قلبي ينبض 72 نبضة في الدقيقة الواحدة. عدد نبضات قلبي هذا لن يتغيَّر أكنتُ في الأرض أم في كوكب آخر جاذبيته أعظم، أو أصغر، من الجاذبية الأرضية. أكنتُ في الأرض أم في مركبة فضائية تسير بسرعة "شبه ضوئية". الذي يتغيَّر فحسب إنما هو المعادِل الزمني الأرضي للدقيقة الواحدة عندي. وهذا التغيير لن أدركه إلا إذا عُدتُّ إلى الأرض.

إذا أقمتُ في كوكب آخر أعظم جاذبية من الكوكب الأرضي فإنَّ قلبي يظل ينبض 72 نبضة في الدقيقة الواحدة بحسب ساعتي. وعند عودتي إلى الأرض أُدْرِك أنَّ تلك الدقيقة الواحدة كانت تعدل 100 سنة بحسب الساعة الأرضية. وإذا أقمتُ في كوكب آخر أصغر جاذبية من الكوكب الأرضي فإنَّ قلبي يظل ينبض 72 نبضة في الدقيقة الواحدة بحسب ساعتي. وعند عودتي إلى الأرض أُدْرِك أنَّ تلك الدقيقة الواحدة كانت تعدل 10 ثوانٍ بحسب الساعة الأرضية.

وإذا قمتُ برحلة فضائية بمركبة فضائية تسير بسرعة "شبه ضوئية" فإنَّ قلبي يظل ينبض 72 نبضة في الدقيقة الواحدة بحسب ساعتي. وعند عودتي إلى الأرض أُدْرِك أنَّ تلك الدقيقة الواحدة كانت تعدل 100 سنة بحسب الساعة الأرضية.

الزمن هو "التغيُّر". وقياس الزمن هو ذاته قياس التغيُّر (في جسم أو شيء ما). إنَّ عدد دقات أو ضربات قلب الإنسان قد يزيد أو ينقص عن 76 دقة أو ضربة في الدقيقة الواحدة. وهذا التغيُّر نقيسه بـ "الساعة".. بـ "حركة عقرب الدقائق". نقيسه من خلال "جسم منتظَم في حركته". إنَّ "تباطؤ الزمن" يعني "تباطؤ التغيير"، فما الذي يتسبب في إبطاء حركة عقارب الساعة؟ إنه "التسارع"، أو "الجاذبية" في تعاظمها واشتدادها. ومع العودة إلى الأرض، مثلا، يُدْرِك "العائد" أنَّ الزمن لديه كان يسير في بطء.

كل تغيير فيزيائي أو كيميائي أو بيولوجي.. في داخل "جسم متسارع"، في داخل مركبة فضائية، مثلا، تسير بسرعة "شبه ضوئية"، لا بد له من أن يستغرق الوقت ذاته الذي يستغرقه في حياتنا الأرضية؛ ولكنه، بالنسبة إلى المراقب الأرضي، يستغرق وقتا أعظم بكثير.

إنَّ لديَّ مصباحا يعمل بالبطارية. سوف تنفد طاقة البطارية، ويتوقَّف المصباح عن العمل، أي عن الإضاءة، إذا ما شغَّلْتهُ وأنا على الأرض 60 دقيقة. لقد اصطحبتُ معي في رحلة فضائية مصباحا مماثِلا، وكانت مركبتي الفضائية تسير بسرعة "شبه ضوئية". قمتُ بتشغيل المصباح، فماذا سأرى؟ بعد انقضاء 60 دقيقة (بحسب ساعتي) سيتوقَّف المصباح عن العمل، أي عن الإضاءة. لقد استغرق هذا التغيير وقتا مماثلا للوقت الذي كان يستغرقه في الأرض.

تخيلوا أنَّ مراقبا أرضيا يراقب، من خلال تلسكوب، هذا العمل الذي قمتُ به، فماذا سيرى؟ سيرى أنَّ المصباح لم يتوقَّف عن الإضاءة بعد 60 دقيقة من تشغيله، وإنما بعد 60 سنة، مثلا، بحسب ساعته الأرضية. سيقول إنَّ الزمن عندي، وكذلك التغيير، يمضي في بطء شديد. وهذا البطء لن أُدْرِكه أنا ما دمتُ مسافرا في مركبتي الفضائية تلك. سأدركه عند عودتي إلى الأرض، فعندئذٍ، فحسب سأُدْرِكُ أنَّ كل دقيقة قضيتها في رحلتي الفضائية كانت تعدل سنة كاملة في الأرض.

في أثناء رحلتي الفضائية، ظل قلبي ينبض 72 نبضة في الدقيقة الواحدة بحسب ساعتي؛ ولكن ذاك المراقب الأرضي لن يرى ما رأيته. سيرى أنَّ قلبي ينبض 30 نبضة في الدقيقة الواحدة بحسب ساعته، فإذا زِدتُّ سرعة مركبتي الفضائية أكثر سيرى أنَّ قلبي صار ينبض 10 نبضات في الدقيقة الواحدة بحسب ساعته.

بحسب مثال الـ "ميون" الذي أتينا على ذكره، كيف نفهم إطالة عمر الإنسان بفضل سفره في الفضاء بسرعة "شبه ضوئية"؟ سأفْتَرِض أنَّ عمري الآن 30 سنة، وأنني سأبقى على قيد الحياة 50 سنة أُخرى، أي أنني سأعيش 80 سنة.

قرَّرتُ السفر، بسرعة 290 ألف كيلومتر في الثانية، إلى كوكب يبعد عن الأرض 100 سنة ضوئية، فكيف سأتمكَّن من الوصول إلى هذا الكوكب والعودة منه إلى الأرض وأنا لن أعيش أكثر من 50 سنة أُخرى؟ الجواب يكمن في تباطؤ الزمن (الناشئ عن التسارع) في مركبتي، أي في ساعتي.

بفضله، أي بفضل تباطؤ الزمن، سأذهب إلى ذاك الكوكب، وأعود منه إلى الأرض، وقد أصبح عمري 60 سنة فقط، بحسب ساعتي. أمَّا بالنسبة إلى سكان الأرض فإنَّ رحلتي الفضائية، ذهابا وإيابا، قد استغرقت 220 سنة، أي أنَّ عمري أصبح بالنسبة إليهم 250 سنة.

نظريا، يستطيع رائد الفضاء الوصول إلى كوكب يبعد عن الأرض مليون سنة ضوئية، مثلا، قبل أن يموت هذا الرائد!

لو أنَّ مراقبا أرضيا كان يراقب من خلال تلسكوب حركة عقارب ساعتي وأنا مسافر في الفضاء في مركبة فضائية متسارعة، فسوف يرى أنَّ عقرب الدقائق في ساعتي يتحرَّك في بطء متزايد مقارنة بعقرب الدقائق في ساعته، فإذا كادت سرعة مركبتي الفضائية تبلغ سرعة الضوء فسوف يرى أنَّ عقرب الدقائق في ساعتي قد كاد يتوقَّف عن الحركة.

ولو تخيَّلْنا أنَّ مراقبا مع ساعة يقيم في داخل "فوتون"، وهو جسيم الضوء، مُنْطَلِق من الشمس نحو الأرض، فماذا يمكنه أن يرى؟ سيرى أنَّ المسافة بين الشمس والأرض، والتي قطعها، لا تزيد عن 100 متر مثلا.

لقد استعمل هذا المراقب كل ما لديه من وسائل وأساليب لقياس المسافات والأطوال فتوصَّل إلى أنَّ تلك المسافة لا تزيد عن 100 متر. واستعمل كل ما لديه من وسائل وأساليب لقياس سرعة الضوء المنطلق من الشمس نحو الأرض فتوصَّل إلى أنَّ سرعته 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة.

إنه في هذه النتيجة التي توصَّل إليها (قياس سرعة الضوء) لا يختلف عن المراقب الأرضي، ولا عن أي مراقب آخر. أما بالنسبة إلى قياسه للزمن الذي استغرقته رحلته من الشمس إلى الأرض فربما كانت نتيجته أنَّ رحلته تلك استغرقت، بحسب ساعته، جزءا متناهيا في الصِغَر من الثانية. المراقب الأرضي سيرى ما يختلف كثيرا عما يراه ذلك المراقب.

سيرى، من خلال استعماله لكل وسائل وأساليب قياس المسافات والأطوال التي لديه، أنَّ المسافة بين الأرض والشمس، والتي قطعها الفوتون، تزيد كثيرا، وكثيرا جدا، عن 100 متر. سيرى أنها تبلغ نحو 150 مليون كيلومتر. وسيرى أنَّ الزمن الذي استغرقته رحلة الفوتون من الشمس إلى الأرض يبلغ نحو 8 دقائق بحسب ساعته الأرضية.

كلما تحرَّكْنا في الفضاء بسرعة أكبر أصبحت الثانية الواحدة عندنا تعدل مقدارا أكبر من الزمن الأرضي، وأصبحت المسافة بيننا وبين الجسم الكوني (الكوكب أو النجم..) الذي نتَّجه إليه أصغر أو أقصر بحسب كل ما نملك من وسائل وأساليب لقياس المسافات والأطوال. أمَّا قياسنا لسرعة الأشياء والأجسام (كواكب أو نجوم أو مركبات فضائية أخرى..) فلا بد له من أن يختلف باختلاف سرعتنا.

إننا نقيس السرعة بشيئين هما: "الساعة" و"المتر". وكلما زادت سرعتنا في الفضاء تباطأت حركة عقارب ساعتنا، وتقلَّص طول مترنا في اتجاه حركته. سرعة واحدة فحسب لن تتغيَّر أبدا في قياسنا لها. إنها سرعة الضوء التي تظل 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة مهما كانت سرعتنا (التي مهما زادت لن تبلغ أبدا سرعة الضوء) ومهما كانت سرعة مَصْدَر الضوء (التي مهما زادت لن تبلغ أبدا سرعة الضوء).

إنَّ لكل جسم، أو جسيم، "ساعته الداخلية (الذاتية)"، التي كلما تسارع تباطأت "عقاربها". وهذا "التباطؤ الزمني" إنما هو ذاته "تباطؤ التغيير" في الجسم، أو الجسيم، فـ "العمليات" ذاتها تستغرق في "المتحرِّك" وقتا أطول (بحسب الساعة الأرضية) من الذي تستغرقه في "الساكن".

ومن هذا جاء مفهوم "تمدُّد (أو اتساع) الزمن" Time Dilation، وجاء نظير هذا المفهوم، في الفضاء، أو المكان، وهو مفهوم "انكماش (أو تقلُّص) الأطوال (أو المسافات)" Length Contraction.

"التسارع" يُنْتِج "تمدُّد الزمن"، الذي معناه أنَّ الثانية الواحدة (في الجسم المتسارع أو في ساعته) "تطول"، و"تكبر"، و"تتسع"، لتعدل مقدارا أكبر من "الزمن الأرضي" مثلا. وفي الفوتون، أي جسيم الضوء، يبلغ "تمدُّد الزمن" نهايته العظمى، فـ "آنه"، أي "آن" الفوتون يمتد إلى الأبد.

تخيَّل أنَّ مسافرا في مركبة فضائية تسير بسرعة "شبه ضوئية"، أو أنَّ شخصا في جسم كوني جاذبيته أقوى من جاذبية الأرض بملايين المرَّات، قد قام بعمل من قبيل رَسْم خطٍّ على صفحة.

هذا العمل لم يستغرق من الوقت، بالنسبة إلى القائم به، أو بالنسبة إلى ساعته، سوى ثانيتين اثنتين مثلا. لقد انتقلت "صورة" العمل، بعد مضي شهر، أو سنة، أو سنوات عدة، إلى عينيِّ أنا المراقب الأرضي. في صورته المنقولة إليَّ، عَبْر "الناقل الضوئي"، أي عَبْر الضوء المنبعث من ذاك العمل، يَظْهَر "الحدث"، الذي هو رَسْم الخط، على أنه قد استغرق زمنا طويلا جدا، بالنسبة إلى ساعتي الأرضية.

إنَّ كل الأحداث هناك تسير في بطء شديد بالنسبة إليَّ. كل تغيير على متن سفينة فضائية تسير بسرعة "شبه ضوئية" لا بد له من أن يكون أبطأ من مثيله على الأرض. و"تباطؤ الزمن" في الجسم المتسارع، أو حيث تشتد وتقوى الجاذبية، لا نراه إلا مع توأمه، وهو انكماش وتقلص "المكان"، أو "الفضاء"، في الجسم ذاته، فكل مسافة في داخله (في داخل كل ذرَّة من ذرَّاته مثلا) لا بد لها من أن تَصْغُر وتتضاءل.

عندما يتسارع جسم يسير في الفضاء، ويبلغ في تسارعه سرعة "شبه ضوئية"، "يتمدَّد" زمانه، أي الزمن الخاص به، وكأنَّ "المسافة بين نقطتين زمانيتين".. بين ثانية وثانية مثلا، تتسع وتطول (أي تتمدَّد) فالثانية الواحدة لا يكتمل مقدارها (من الزمن) إلا مع اجتياز تلك المسافة المتمدِّدة. وبسبب ذلك تعدل تلك الثانية مقدارا متزايدا (بتزايد سرعة الجسم) من الزمن الأرضي مثلا.

وفي الوقت نفسه، وفي نسبة مماثِلة، "يتقلَّص" طول الجسم في اتجاه حركته. وهذا الجسم، المتعاظم في كتلته بسبب تسارعه أيضا، يتضاءل حجمه (بسبب تقلُّص طوله في اتجاه حركته) وكأن المادة فيه تتركَّز في حيِّز يَصْغُر في استمرار. إنَّ كل فراغ في داخله، أي بين أجزائه وجزئياته، ينكمش ويتقلَّص. "المكان"، في معناه هذا، "يتقلَّص" مع كل "تمدُّد" في "الزمان"، يأتي به ويُنْتِجه "التسارع".

"المسافة الفضائية" بين الجسم المتسارع (مركبة فضائية مثلا) وبين الجسم الكوني (كوكب أو نجم..) الذي يتَّجه إليه لا بد لها من أن تُخْتَصَر، وتنكمش، وتتقلَّص، وتَصْغُر؛ ولكن ليس بالنسبة إلى المراقب الأرضي، مثلا، وإنما بالنسبة إلى المراقب في هذا الجسم، أو المركبة. فما معنى "اختصار المسافة"؟ تخيَّل أنَّ قطارا طويلا جدا يسير بسرعة "شبه ضوئية (240 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة مثلا)" في خطٍّ مستقيم، يوازي "رصيفا (مستقيما)" طويلا جدا، فما الذي يراه راكب القطار والشخص، أو المراقب، الذي يقف على رصيف المحطة؟ كلاهما سيرى أنَّ ساعة الآخر هي التي تتأخر.

و"الحركة النسبية للرصيف" هي سبب ما يراه راكب القطار من تأخُّر في ساعة الشخص، أو المراقب، الذي يقف على الرصيف، فإذا كان القطار يتحرَّك بالنسبة إلى "الرصيف"، والواقف عليه، فإنَّ "الرصيف" يَظْهَر لراكب القطار على أنه هو الذي يتحرَّك، مُبْتعدا عن القطار في اتجاه خلفي.

هذا القطار المتحرِّك بسرعة 240 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة يُعَدُّ في حالٍ من السكون ما دام يتحرَّك بسرعة ثابتة منتظَمة وفي خط مستقيم، أي ما دام قصوره الذاتي غير مُنْتَفِضٍ بَعْد.

إنَّ القطار المتحرِّك هذا و"الرصيف" يعرفان من تماثل الظواهر ما يؤكِّد خضوعهما لقوانين واحدة، فلا فَرْق في الظواهر والقوانين بين قطار ساكن ثابت وقطار يتحرَّك بسرعة ثابتة منتظَمة وفي خط مستقيم.

وكلاهما يرى اختصارا وتقلُّصا في الأطوال لدى الآخر، فالمراقب الواقف على الرصيف يرى القطار المتحرِّك وقد اخْتُصِر طوله في اتجاه حركته، بينما راكب القطار يرى أنَّ طول "الرصيف" هو الذي اخْتُصِر.

على أنَّ كلاهما يخالف الآخر في حسابه، أو تقديره، للزمن الذي استغرقه اجتياز القطار لـ "الرصيف" الطويل جدا، فإذا كان هذا الزمن مقداره 100 ثانية بحسب ساعة المراقب الواقف على الرصيف فإنَّ مقداره لن يزيد عن 60 ثانية بحسب ساعة راكب القطار.

بالنسبة إلى المراقب الواقف على الرصيف يبلغ طول الرصيف 24 مليون كيلومتر؛ أمَّا بالنسبة إلى راكب القطار فإنَّ طول الرصيف قد اخْتُصِر، وأصبح 14,400,000 كيلومتر. هذا الراكب لن يملك من وسائل وطرائق قياس الأطوال والمسافات إلا ما يؤكِّد له أنَّ طول الرصيف قد اخْتُصِر وأصبح 14,400,000 كيلومتر.

وعندما ينهي القطار رحلته، ويتوقَّف عن الحركة، يُدْرِك راكبه أنَّ ساعته هو قد تأخَّرت عن ساعة الواقف على الرصيف. ولو أنَّ الواقف على الرصيف قام في أثناء سير القطار بعمل من قبيل قذف حجر في الهواء، ولو أنَّ هذا العمل، أو الحدث، قد استغرق، بحسب ساعته، 7 ثوانٍ، فإنَّ راكب القطار سيرى، بحسب ساعته، أنَّ حادث قذف الحجر، فارتفاعه، فسقوطه إلى الأرض، قد استغرق وقتا أطول.. 20 ثانية مثلا.

و"الزمن الحقيقي" Broper Time لهذا الحادث إنما هو الزمن الذي تقيسه ساعة المراقِب الثابت بالنسبة إلى الحادث، أي الزمن الذي قاسه، في مثالنا هذا، المراقب الواقف على الرصيف.

ولو حدث الحادث ذاته في داخل القطار المتحرِّك لكان الوقت الذي استغرقه حدوث بالنسبة إلى المراقِب الواقف على الرصيف، والمتحرِّك بالنسبة إلى القطار وراكبه أطول من الوقت الذي قاسته ساعة راكب القطار.

و"الزمن الحقيقي" الذي استغرقه هذا الحادث إنما هو الزمن الذي قاسته ساعة راكب القطار؛ لأنه هو المراقِب الثابت بالنسبة إلى الحادث. إذا حدث الحدث على "الرصيف" فإنَّ موضع حدوثه هو الذي يكون متحرِّكا بالنسبة إلى راكب القطار؛ أمَّا إذا حدث في داخل القطار فإنَّ موضع حدوثه هو الذي يكون متحرِّكا بالنسبة إلى الواقف على الرصيف.

"الزمن" و"الطول (أو المسافة)" يختلفان قياسا وتقديرا باختلاف المراقبين أو الراصدين، أي أنَّ قياسهما يختلف باختلاف حركة المراقبين أو الراصدين.

إنَّ "المسافة الفضائية"، كالمسافة بين الأرض والشمس، تُخْتَصَر، بالنسبة إلى المسافر على متن سفينة فضائية، وفي اتجاه حركتها، كما اخْتُصِر طول الرصيف بالنسبة إلى راكب القطار، فهذه المسافة هي التي تتحرَّك بالنسبة إلى المسافر على متن السفينة الفضائية كما يتحرَّك "الرصيف" بالنسبة إلى راكب القطار. ويَقْصُر طولها بالنسبة إلى المسافر على متن السفينة الفضائية كما يَقْصُر طول الرصيف بالنسبة إلى راكب القطار.

ولو أنَّ سفينة فضائية تقف ثابتة ساكنة في موضع بين الأرض والشمس مثلا فإنَّ حركة عقارب الساعة فيها ستبدو بطيئة بالنسبة إلى مسافر من الأرض إلى الشمس على متن سفينة فضائية تسير بسرعة "شبه ضوئية".

أنا الراكب في قطار متحرِّك بسرعة "شبه ضوئية" أرى أنَّ الدقيقة الواحدة في ساعتكَ أنتَ الواقف على الرصيف تعدل 1000 ثانية عندي، وكأنني أنا "الثابت" وأنتَ "المتحرِّك". أمَّا أنتَ فترى أنَّ الدقيقة الواحدة في ساعتي تعدل 1000 ثانية عنكَ.

"الرصيف" و"المسافة الفضائية" هما شيئان يتقلَّص طولهما بسبب "حركتهما النسبية"، أي حركتهما بالنسبة إلى راكب القطار المتحرِّك بسرعة "شبه ضوئية"، والمسافر على متن سفينة فضائية بسرعة "شبه ضوئية".

راكب القطار هذا لا يُدْرِك، وليس في مقدوره أن يُدْرِك، أنَّ طول قطاره قد تقلَّص في اتجاه حركته؛ لأنَّ "المتر" الذي اصطحبه معه قد تقلَّص هو أيضا وبالنسبة ذاتها؛ ولكنه يُدْرِك أنَّ طول الرصيف الذي يجتازه قطاره قد تقلَّص؛ لأنَّ كل ما لديه من وسائل وطرائق لقياس طول الرصيف يؤكِّد له أنَّ الرصيف قد اخْتُصِر وتقلَّص.

والمسافر على متن سفينة فضائية (من الأرض إلى الشمس مثلا) وفي سرعة "شبه ضوئية" لا يُدْرِك، وليس في مقدوره أن يُدْرِك، أنَّ طول سفينته قد تقلَّص في اتجاه حركتها؛ لأنَّ "المتر" الذي اصطحبه معه قد تقلَّص هو أيضا وبالنسبة ذاتها؛ ولكنه يُدْرِك أنَّ المسافة الفضائية بين الأرض والشمس التي تجتازها سفينته قد تقلَّصت؛ لأنَّ كل ما لديه من وسائل وطرائق لقياس طول هذه المسافة يؤكِّد له أنَّها قد اخْتُصِرَت وتقلَّصت.

إنَّ طول السفينة الفضائية تلك يتقلَّص "فعلياً" في اتجاه حركتها وإنْ كان الذي على متنها يعجز عن إثبات ذلك؛ لأنَّ أداة القياس التي معه (المتر مثلا) قد تقلَّصت هي أيضا، وبالنسبة ذاتها.

ولكن كيف يمكن ويجب تفسير اختصار وتقلُّص المسافة الفضائية بين الأرض والشمس مثلا بالنسبة إلى المسافر على متن سفينة فضائية تسير بسرعة "شبه ضوئية"؟ في الجواب نقول: المسافر هذا ليس لديه ما يحمله على الشك في حقيقتين. حقيقة أنَّ سرعة سفينته، ومهما زادت، لم تزد، ولن تزيد أبدا، عن سرعة الضوء، وحقيقة أنَّ الضوء المنطلق من سفينته نحو الشمس، مثلا، ظل يسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة.

إنَّ السرَّ كله يكمن في عبارة "الثانية الواحدة"، فهذه "الثانية" أوسع وأكبر من "ثانية أرضية". إنها قد تعدل 50 ثانية أرضية.

في تلك الثانية الـ "لا أرضية" قد تقطع السفينة مسافة فضائية مقدارها، مثلا، مليون كيلومتر بحسب قياس المراقب الأرضي لها؛ ولكن عند قياس المسافر لها تَظْهَر على أنها 280 ألف كيلومتر فحسب.

والضوء المنطلق من السفينة نحو الشمس يقطع في تلك الثانية الـ "لا أرضية" مسافة مقدارها، مثلا، مليون ونصف المليون كيلومتر بحسب قياس المراقب الأرضي لها؛ ولكن عند قياس المسافر لها تَظْهَر على أنها 300 ألف كيلومتر.

في هذا المعنى فحسب، نفهم "ثبات" سرعة الضوء، ونفهم، أيضا، ظاهرة أنَّ سرعة السفينة الفضائية، ومهما زادت، لن تتجاوز أبدا 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة.

"الزمن" في تلك السفينة هو الذي يتباطأ بالفعل؛ والدليل العملي على ذلك هو حدوث فَرْق فعلي في العُمْر بين "التوأمين"، فالمسافر منهما يُدْرِك، ما أن يعود إلى الأرض، أنَّ ساعته هي التي تأخَّرت بالفعل، فأصبح يَكْبُر توأمه، الذي بقي على الأرض، بسنوات عديدة مثلا.

على أنَّ هذا التباطؤ الفعلي والحقيقي في الزمن في تلك السفينة يقترن بظاهرة يراها المسافر على أنها حقيقة لا ريب فيها هي أنَّ كل ما لديه من وسائل وأساليب وطرائق لقياس سرعة سفينته، وسرعة الضوء المنطلق منها نحو الشمس، يؤكِّد له أنَّ سرعة سفينته، ومهما تزايدت، لن تتجاوز أبدا سرعة الضوء، وأنَّ سرعة الضوء ذاتها لن تزيد أبدا عن 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة بحسب ساعته، والتي قد تعدل 50 ثانية أرضية.

قوانين الطبيعة في الجسم "المتحرِّك" ليست هي ذاتها في الجسم "الساكن"؛ وفي "الساكن" ليست هي ذاتها في "المتحرِّك"؛ ولكن لـ "السكون" تعريفا مختلفا في "النسبية"، كما أنَّ حالاته وأشكاله لا عدَّ لها ولا حصر.

إنَّك تقول إنَّ هذه الشجرة ثابتة في مكانها لا تتحرَّك، أي أنها في حالة "سكون". وتقول إنَّ هذا الرجل، الذي يسير على سطح الأرض مبتعدا عنكَ، مقتربا من تلك الشجرة، هو في حالة "حركة".

الشجرة ثابتة ساكنة بالنسبة إليكَ أنت الواقف على مقربة منها، أو بالنسبة إلى هذا المنزل الذي يقع في جوارها. إنها ثابتة ساكنة بالنسبة إلى سطح الأرض؛ ولكنها "متحرِّكة" في الوقت نفسه؛ لأنها جزء من سطح الأرض، الذي هو جزء من "كرة"، هي كوكب الأرض، تدور حول محورها، وحول الشمس.

أمَّا ذاك الرجل "المتحرِّك" بالنسبة إليكَ أنت الواقف على سطح الأرض، وبالنسبة إلى الشجرة والمنزل، فهو إنما يشبه شخصا يتحرَّك في داخل قطار متحرِّك. إنَّه يتحرَّك على سطح الكرة الأرضية، التي تدور حول محورها، وحول الشمس.

ولكن، ما رأيكَ في قطار يتحرَّك بـ "سرعة ثابتة منتظَمة (200 كيلومتر في الساعة الواحدة مثلا)"، وفي "خط مستقيم"؟ هل هو "متحرِّك" أم "ساكن"؟ إنَّه، وبحسب "النسبية" في حال من "السكون"؛ لأن لا فَرْق في القوانين والظواهر الطبيعية بينه وبين قطار واقف.

وللنظر إلى القطار (أو أي جسم آخر) على أنه "ساكن" ليس مهما "مقدار" السرعة التي يتحرَّك فيها، فهو في حالٍ من "السكون" إذا ما استوفى شرطان: السير في "سرعة ثابتة منتظَمة"، قد تكون 200 كيلومتر في الساعة الواحدة، أو 1000 كيلومتر في الساعة الواحدة، أو 240 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، وفي "خط مستقيم".

هذا القطار لا بد له من أن "يتسارع" حتى تبلغ سرعته 240 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة مثلا. إذا بلغ بتسارعه تلك السرعة، وحافظ عليها بعد ذلك، فلم تزد ولم تنقص، وإذا ما ظل يسير في خط مستقيم، فهو إنما يُعْتَبَر في حالة سكون، يخضع للقوانين الطبيعية ذاتها التي يخضع لها قطار واقف على رصيف المحطة.

القطار، وقبل أن يبلغ بتسارعه هذه الحالة من السكون، لا بد لساعته من أن تتأخَّر. إنها تزداد تأخُّرا مع كل تسارع له، أي مع كل زيادة في سرعته. هذا التأخُّر لا بد له من أن يتوقف عندما يبلغ القطار حالة السكون تلك، أي عندما يظل يتحرَّك بسرعة ثابتة منتظَمة هي 240 ألف كيلو متر في الثانية الواحدة، وفي خط مستقيم.

ساعته الآن لن تتأخَّر أكثر مما تأخَّرت؛ لأنه ما عاد يُعْتَبَر في حالة حركة. ويكفي أن يستأنف القطار تسارعه، أي زيادة سرعته من 240 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة إلى 250 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة مثلا حتى تستأنف ساعته التأخُّر.

ولو أنَّ القطار شرع يتباطأ، أي لو أنَّ سرعته أصبحت 200 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة مثلا بعدما كانت 240 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، لأسرع فيه الزمن، ولشرعت ساعته تتقدَّم.

قُلْنا إنَّ القطار الذي يسير بسرعة 240 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة مثلا، وفي خط مستقيم، هو جسم في حالة سكون. إذا "تسارع" أصبح في حالٍ من "الحركة الصاعدة"، و"تأخَّرت" ساعته بالتالي. وإذا "تباطأ" أصبح في حالٍ من "الحركة الهابطة"، و"تقدَّمت" ساعته بالتالي.

هذا هو المعنى الأول لـ "الحركة"، أكانت "صاعدة" أم "هابطة"، بالنسبة إلى هذا القطار الساكن، أي الذي يسير بسرعة ثابتة منتظَمة، وفي خط مستقيم. أمَّا معناها الثاني فهو أن يَخْرُج القطار، الذي يسير بسرعة ثابتة منتظَمة، عن "الاستقامة" في خط سيره، كأن ينعطف يمينا أو يسارا، أو يدور، فالقطار "المتحرِّك" إنما هو جسم كان يسير بسرعة ثابتة منتظَمة، وفي خط مستقيم؛ ولكنه انعطف يمينا أو يسارا، أو أصبح يدور.

القطار الواقف على رصيف المحطة، والقطار الذي يتحرَّك بسرعة ثابتة منتظَمة، وفي خط مستقيم، إنما هما جسمان في حالة السكون، ويعرفان القوانين والظواهر الطبيعية ذاتها. إنَّهما في حالة سكون؛ لأنَّهما لا يخضعان لتأثير "قوة خارجية"، أي لأنَّ "قصورهما الذاتي" لم يتأثَّر بـ "قوة خارجية".

قصورهما الذاتي "ينتفض"، أي يتأثَّر بـ "قوة خارجية"، إذا شرع القطار الواقف يتحرَّك، أو إذا "تسارع"، أو "تباطأ" القطار الذي كان يسير بسرعة ثابتة منتظَمة، أو إذا القطار الذي يسير بسرعة ثابتة منتظَمة، وفي خط مستقيم، انعطف يمينا أو يسارا، أو إذا أصبح يدور.

إنَّ "الحركة" هي "القصور الذاتي (للجسم) إذ انتفض"، أي إذ خضع لتأثير "قوة خارجية". وبحسب قانون "القصور الذاتي" لنيوتن، يظل الجسم ساكنا، أو مستمرا في حركته في خط مستقيم وسرعة ثابتة منتظَمة، ما لم تؤثِّر فيه "قوة خارجية".

لِنَفْتَرِض أنَّ "قطار آينشتاين" يسير بسرعة ثابتة منتظَمة (280 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة) وفي خط مستقيم بالنسبة إلى "الرصيف". في هذه الحال، سيرى الراكب في القطار أنَّ "الرصيف" هو الذي يتحرَّك بسرعة ثابتة منتظَمة، وفي خط مستقيم، مبتعدا عن مقدمة القطار إلى مؤخرته.

سيرى أنَّ القطار هو الساكن، وأنَّ الرصيف هو المتحرِّك. وسيرى ساعة المحطة متأخِّرة عن ساعته. وسيرى أنَّ طول الرصيف "المتحرِّك" قد اخْتُصِر في اتجاه حركته؛ ولكن هذا الاختصار هو نتيجة لـ "الحركة النسبية" للرصيف، وليس نتيجة لـ "حركة مطلقة".

أمَّا الواقف على الرصيف، وفي محطة انطلاق القطار، فسيرى أنَّ القطار هو الذي يتحرَّك بسرعة ثابتة منتظَمة، وفي خط مستقيم، مبتعدا عنه، وعن محطة الانطلاق نحو نهاية الرصيف، أو نحو المحطة الأخيرة التي فيها يتوقَّف القطار. وسيرى ساعة القطار متأخِّرة عن ساعة محطة الانطلاق. وسيرى أنَّ طول القطار قد اخْتُصِر في اتجاه حركته.

كلاهما (القطار والرصيف) متحرِّك بالنسبة إلى الآخر؛ ولكن كلاهما "ساكن" في الوقت نفسه؛ فكلاهما "يتحرَّك (بالنسبة إلى الآخر)" بسرعة ثابتة منتظَمة، وفي خط مستقيم. وكلاهما، بالتالي، يماثِل الآخر لجهة القوانين الطبيعية التي يخضع لها.

القطار لم يبلغ سرعته تلك (280 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة) إلا عَبْرَ "التسارع"، أي أنَّ قصوره الذاتي قد انتفض مرَّات عديدة إذ خضع القطار، مرَّات عديدة، لتأثير قوى خارجية (قوى التسارع). وفي هذا المسار الصاعد لحركة القطار تأخَّرت، وازدادت تأخُّرا، ساعة القطار.

ويكفي أن يتوقَّف القطار في محطته الأخيرة حتى يتأكَّد "المراقبان"، أي راكب القطار والشخص الواقف على الرصيف، أنَّ ساعة القطار هي التي تأخَّرت بالفعل عن ساعة المحطة.

الآن، دعونا نَفْتَرِض أنَّ "قطار آينشتاين" يسير بسرعة ثابتة منتظَمة؛ ولكن في "خطٍّ دائري"، أي على سكَّة حديد، محطة الانطلاق فيها هي ذاتها محطة التوقُّف.

في هذه الحال، القطار فحسب هو الذي يتحرَّك، أي أنَّ سكة الحديد مع محطتها لا تتحرَّك بالنسبة إلى القطار وراكبه. وفي هذه الحال أيضا لا تتأخَّر الساعة إلا في القطار، أي أنَّ راكب القطار لا يرى تأخُّرا في ساعة المحطة.

ومع أنَّ هذا القطار يسير بسرعة ثابتة منتظَمة، أي أنَّه لا "يتسارع" ولا "يتباطأ"، فإنَّه ليس بجسم ساكن. إنَّه جسم متحرِّك؛ لأنَّه لا يسير في خط مستقيم.

سَيْرُ القطار في خطٍّ دائري إنَّما يعني أنَّ القطار يخضع لتأثير قوة خارجية هي "القوة الطاردة المركزية"، وأنَّ قصوره الذاتي، بالتالي، انتفض، وينتفض.

ومِنْ سَيْر القطار في خطٍّ دائري يَنْتُجُ، لا محالة، تباطؤ في الزمن، أي تأخُّر في ساعة القطار المتحرِّكة. والفَرْق في الزمن بين ساعة القطار المتحرِّكة وساعة المحطة الساكنة إنَّما هو فَرْق مطلق، وليس بنسبي. أمَّا إذا تسارع هذا القطار، في خط سيره الدائري، فلا بد لساعته المتحرِّكة المتسارعة من أن تزداد تأخُّرا.

لِنَفْتَرِض أنَّ مسافرا في "قطار آينشتاين"، الذي يسير بسرعة 240 ألف كيلومتر في الثانية، كان يسير في داخل القطار بسرعة 100 ألف كيلومتر في الثانية، فكم تبلغ سرعة هذا المسافر بالنسبة إلى سكة الحديد التي يسير عليها القطار؟ الجواب الذي يبدو صحيحا هو: 340 ألف كيلومتر في الثانية (240,000 + 100,000 = 340,000). ولكنه، بحسب نظرية "النسبية" ليس بصحيح؛ لأن المستحيل بعينه هو وجود شيء يسير بسرعة أكبر من سرعة الضوء التي هي السرعة العظمى في الكون. إنَّ السرعة الحقيقية لذاك المسافر يجب أن تكون أقل من 300 ألف كيلومتر في الثانية.

لقياس سرعة جسم، يحتاج "المراقِب" إلى شيئين: "الساعة" و"المتر". لقد مرَّت مركبة فضائية بفضاء كوكب الأرض، فأراد مراقِب أرضي قياس سرعتها. هذا المراقِب إنَّما يقف على سطح جسم متحرِّك، هو كوكب الأرض. من خلال ساعته، وأدوات قياس المسافة التي يملك، توصَّل إلى أنَّ سرعة المركبة 10 آلاف كيلومتر في الثانية الواحدة. مراقِب آخر (في كوكب جاذبيته تفوق كثيرا جاذبية الأرض، أو في مركبة تسير بسرعة "شبه ضوئية") أراد قياس سرعة المركبة ذاتها لدى مرورها بفضاء كوكب الأرض، فهل يتوصَّل إلى أنَّ سرعتها 10 آلاف كيلو متر في الثانية الواحدة؟ الجواب هو "لا"؛ فـ "الثانية" عنده غير الثانية عند المراقِب الأرضي، و"المتر" عنده ليس بطول المتر عند المراقِب الأرضي. إنَّ قياسه لسرعتها يجب أن يختلف، فالسرعة نسبية، أي تختلف مقدارا باختلاف المراقِب الذي يقيسها.. باختلاف سرعته هو.

سيارتي تسير الآن بسرعة 100 كيلو متر في الساعة الواحدة. هذا المقدار من السرعة سوف يختلف عندما يقيسه مراقِب من داخل مركبة فضائية تسير على مقربة من الأرض بسرعة "شبه ضوئية"؛ لأنَّ "المتر" عنده أقل طولا بكثير عن "المتر" عندي، و"الثانية" عنده تعدل مقدارا أكبر من الزمن الأرضي.

عندما نقول إنَّ سرعة السيارة 100 كيلومتر في الساعة الواحدة فهذا يعني أنَّ سرعتها هي كذلك بالنسبة إلى الأرض. يجب أن نجد شيئا (أو مراقبا) نقيس بالنسبة إليه السرعة.. سرعة تلك السيارة مثلا.

لقد قال نيوتن في أمر السرعة الأرضية: إننا لا نعرف هل السفينة تتحرَّك في البحر أم واقفة من خلال أي اختبار نقوم به في داخل السفينة. ينبغي لنا أن نقوم باختبار يصلنا بخارج السفينة، كأن نراقب حركة ماء البحر الذي تسير فيه، أو حركة الجبال على اليابسة، لنعرف ما إذا كانت السفينة متحرِّكة أم ثابتة، تقترب من الشاطئ أم تبتعد عنه.

لنفتَرِض وجود شخصين في مركبتين فضائيتين تسير كلتاهما بسرعة ثابتة منتظَمة (أي من غير تسارع) في خط مستقيم (أي لا تدوران). ولنفتَرِض أنهما تنتقلان، بسرعتهما الثابتة المنتظَمة؛ ولكن المختلفة مقدارا من إحداهما إلى الأخرى، في فضاء خالٍ من الكواكب والنجوم والمجرات، ومن سائر الأجسام الكونية.

إذا مرَّت إحداهما فوق الأخرى فإنَّ المراقب في "المركبة التحتية" سيعتقد أنَّ مركبته ساكنة لا تتحرَّك، وأنَّ "المركبة الفوقية" هي التي تتحرَّك بعيدا عنه، في اتجاه أمامي، وبسرعة كبيرة. أمَّا المراقب في "المركبة الفوقية" فسيعتقد أنَّ مركبته ساكنة لا تتحرَّك، وأنَّ "المركبة التحتية" هي التي تتحرَّك بعيدا عنه، في اتجاه ورائي.

كلا المراقبين يحق له أن يعتبر أنَّ مركبته هي الساكنة وأنَّ مركبة الآخر هي المتحرِّكة. وكلاهما يحسب سرعة مركبة الآخر حسابا مختلفا.

على أنَّ هذه "النسبية" في تمييز السرعة من السكون، وفي حساب السرعة، لا تتعارض مع حقيقة أنَّ كلتا المركبتين تتحرَّك في الفضاء.

لا تَقُل إنَّكَ تستطيع أن تعرف الحركة من السكون في مركبتكَ الفضائية، وأن تعرف سرعتها، من خلال أجهزة قياس ورصد في داخل المركبة. لو كنتَ تقود سيارة، وأغْلَقْتَ كل نوافذها، فإنَّكَ تستطيع، من خلال أجهزة في داخل السيارة كالجهاز الذي يُريكَ سرعة سيارتكَ، أو يُريكَ استهلاككَ لوقود السيارة، ومن خلال ما تُسبِّبه الطريق من اهتزاز في داخل سيارتكَ، أن تعرف حركة سيارتكَ من سكونها، وأن تعرف، أيضا، السرعة التي تسير فيها سيارتكَ.

ولكنَّكَ في فضاء يخلو من الكواكب والنجوم والمجرات، ومن سائر الأجسام الكونية، لن تستطيع أبدا تعرف حركة مركبتكَ الفضائية من سكونها، أو السرعة التي تسير فيها؛ لأنَّها تسير بقوة القصور الذاتي.

لقد بلغت سرعة مركبتكَ، التي تسير في خط مستقيم، 240 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. في مقدورك الآن أن تُغِلق كل ما في مركبتكَ من أجهزة قياس ورصد، وأن تجعل مركبتكَ تتوقَّف عن استهلاك الوقود.

لو فَعَلْتَ كل ذلك لظلت مركبتكَ تسير، إلى الأبد، في خط مستقيم، وبسرعة ثابتة منتظَمة، هي السرعة التي بَلَغَت، وهي 240 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة.

تظلُّ في هذه الحال من القصور الذاتي إلى أن تؤثِّر فيها "قوة خارجية"، فتوقفها، أو تزيد أو تقلل سرعتها، أو تجعلها تسير في خط غير مستقيم.

إذا حدث ذلك، أي إذا خضعت مركبتكَ لتأثير "قوة خارجية"، فإنَّ قصورها الذاتي "ينتفض"، فيَظْهَر، عندئذٍ، ما يدل على أنَّ مركبتكَ غدت في حال من الحركة.

إنَّ خواص الحركة في الجسم "الساكن" والجسم "المتحرِّك" ليست متماثلة. وينبغي لنا أن نتذكَّر أنَّ "الساكن" من الأجسام قد يكون متحرِّكا؛ ولكن في سرعة ثابتة منتظَمة، وفي خط مستقيم.

إذا كنتَ جالسا في قطار واقف، وقَذَفْتَ كرةً نحو سقف القطار وكان خط سيرها، أو صعودها، مستقيما، أو عموديا، فإنَّك ترى أنَّ الكرة المقذوفة تسقط، بعد اصطدامها بسقف القطار، في يدكَ، فخط سقوطها لا ينحني، أي يظل مستقيما كخط صعودها.

ولو فَعَلْتَ الشيء نفسه في قطار يسير بسرعة ثابتة منتظَمة، وفي خط مستقيم، لرَأيْتَ النتائج نفسها، فخواص حركة تلك الكرة تظل هي ذاتها لا تختلف أكان القطار واقفا ساكنا أم متحرِّكا بسرعة ثابتة منتظَمة وفي خط مستقيم.

أمَّا إذا اختلفت خواص حركة تلك الكرة فهذا إنما يدل على أنَّ القطار ليس في حالٍ من السكون. إنه يدل على أنَّ القطار يسير في سرعة غير ثابتة وغير منتظَمة، وفي خط غير مستقيم.

مِنْ داخل جسم ساكن، يمكننا مراقبة "الحركة".. حركة الأجسام من حوله، ومعرفة خواص الحركة تلك. إذا اختلفت خواص الحركة، التي نراقبها مِنْ داخل جسم ساكن، في أجسام تقع في خارجه، عن خواصها فيه، فهذا إنما يعني أنَّ تلك الأجسام المراقَبة تتحرَّك.

إنَّ الحركة في الأجسام الساكنة تخضع لقوانين تختلف عن القوانين التي تخضع لها في الأجسام المتحرِّكة.

قام غاليليو بالتجربة الآتية: أسْقَطَ مِنْ أعلى البرج جسمين، مختلفي الكتلة. أسقطهما إلى الأرض إسقاطا حرَّاً، فاكتشف أنَّ الجسمين وصلا إلى الأرض معاً. واكتشف أنَّ تسارعهما كان واحداً. وقد فسَّر غاليليو كل ذلك بـ "الجاذبية الأرضية".

آينشتاين تمثَّل تجربة غاليليو، ثمَّ تخيَّل تجربة مختلفة. في تجربته، تخيَّل آينشتاين مَصْعدا في الفضاء الخارجي، أي حيث تنعدم الجاذبية. وتخيَّل قوَّة تشد المصعد إلى أعلى. وتخيَّل أنَّ المصعد يصعد إلى أعلى في سرعة متزايدة، أي تخيَّله في حال "تسارع". قام شخص في داخل هذا المصعد المتسارع بإسقاط جسمين مختلفي الكتلة من الارتفاع ذاته.

اكتشف آينشتاين نتائج مماثلة لتلك التي اكتشفها غاليليو في تجربته؛ ولكنه لم يفسِّرها بـ "الجاذبية"، التي لا وجود لها حيث تخيَّل التجربة، وإنما بـ "التسارع". وعليه استنتج آينشتاين أنَّ لـ "الجاذبية" و"التسارع" نتائج متماثلة.

المصعد، في هذه التجربة، إنما هو جسم ليس بـ "ساكن"، وليس بـ "متحرِّك بسرعة ثابتة منتظَمة". إنه جسم "متسارع"، حيث لا وجود لـ "الجاذبية". أمَّا في تجربة غاليليو فإنَّ "الجاذبية" تخصُّ جسما (الكرة الأرضية) ساكنا، أو يدور بسرعة ثابتة منتظَمة حول نفسه، وحول الشمس (مع أنَّ سرعة دوران الأرض حول الشمس ليست هي ذاتها دائما، أي في كل فصول السنة).

لو سُئِل غاليليو عن سبب سقوط الجسمين إلى الأرض، وتسارعهما في أثناء سقوطهما، لأجاب قائلا: "الجاذبية الأرضية هي السبب". أمَّا لو سُئِل آينشتاين عن سبب سقوط الجسمين إلى أرض المصعد (الموجود حيث لا وجود للجاذبية) وتسارعهما في أثناء سقوطهما، لأجاب قائلا: "تسارع المصعد هو السبب".

"الجاذبية (الأرضية)"، و"التسارع (في مصعد آينشتاين)"، يُنْتِج كلٌّ منهما الظاهرة (أو الظواهر) الآتية: سقوط جسمين مختلفي الكتلة من الارتفاع ذاته إلى "أرض"، وتسارعهما في أثناء سقوطهما، ووصولهما معا إلى تلك الأرض.

الجسمان المُسْقَطان، في تجربتي غاليليو وآينشتاين، تأثَّرا بـ "قوة خارجية"، فـ "انتفض" قصورهما الذاتي، فـ "تسارعهما"، في أثناء سقوطهما، إنما هو خير دليل على خضوعهما لتأثير "قوة خارجية"، وعلى أنَّ قصورهما الذاتي قد "انتفض" بالتالي. لقد "انتفض" القصور الذاتي للجسمين في كلٍّ من التجربتين.

لو كنتَ في داخل مصعد آينشتاين الفضائي ذاك، وأردت قياس وزنكَ، قبل أن تشرع "القوة الخارجية" تلك تشد المصعد إلى أعلى، فإنَّك سترى أن لا وزن لكَ. وسوف تتوصَّل إلى النتيجة ذاتها لو أنَّ هذا المصعد كان يسير في الفضاء بسرعة ثابتة منتظَمة، وفي خط مستقيم.

وزنك إنما هو ظاهرة من ظواهر الجاذبية الأرضية، أو ظاهرة من ظواهر انتفاضة القصور الذاتي لجسم (لمركبة فضائية مثلا) توجد فيه ويسير في الفضاء حيث تنعدم الجاذبية.

كوكب الأرض، حيث تَكْتَسِبَ وزناً، إنما هو جسم يسير في الفضاء؛ ولكن سَيْراً يتسبب، دائما، في انتفاضة قصوره الذاتي.

لو أنَّ كوكب الأرض كان يسير في الفضاء بسرعة ثابتة منتظَمة، وفي خط مستقيم، لما اكْتَسَبْتَ وزناً؛ لأنْ لا انتفاض للقصور الذاتي لكوكب الأرض في هذا الحال. إنه (أي القصور الذاتي لكوكب الأرض) ينتفض إذا ما "تسارع"، أو خرج عن الاستقامة في خط سيره.

إنَّ كوكب الأرض لا يسير في خط مستقيم، فهو "يدور"، بسرعة ثابتة منتظَمة، حول نفسه، وحول الشمس. وهذا الدوران يجعله متأثرا بـ "القوة الطاردة المركزية"، فـ "ينتفض" قصوره الذاتي في استمرار.

وقياس "القصور الذاتي" للجسم إنما هو ذاته قياس كتلته، فـ "كتلة" الجسم هي، من حيث مقدارها، مقياس قصوره الذاتي.

لدينا كرتان متساويتان في الحجم؛ ولكن إحداهما من الرصاص والأخرى من الخشب. الكرتان موجودتان في الفضاء الكوني حيث لا وجود لقوة كمثل قوة الاحتكاك تعيق حركتهما. سأدفع كلتاهما بيدي، مفترضا أنَّ الدفعة ثابتة لجهة مقدار قوتها. سأرى أنَّ كرة الخشب قد تحركت بسرعة 100 متر في الثانية، بينما كرة الرصاص تحركت بسرعة 50 مترا في الثانية. وهذا الفرق في السرعة إنما يعكس فرقا في مقداري "الكتلة" و"القصور الذاتي".

بعد الدفعة الأولى، أي بعد ثانية من الدفعة الأولى، دفعتهما مرَّة أخرى، فتحركت كرة الخشب بسرعة 200 متر في الثانية، بينما تحركت كرة الرصاص بسرعة 100 متر في الثانية. لقد تابعتُ الدفع حتى بلغت سرعة كرة الرصاص 200 ألف كيلومتر في الثانية مثلا.

في هذا المسار من التسارع سأرى الآتي: مع كل دفعة جديدة، يتناقص معدل زيادة السرعة. في الدفعة الأولى، تحركت كرة الرصاص بسرعة 50 متر في الثانية، وفي الدفعة الثانية، أصبحت سرعتها 100 متر في الثانية، وفي الدفعات التالية، أصبحت الزيادة في سرعتها أقل من 50 متر في الثانية.. أصبحت 40، ثم 30، ثم 20 مترا.

إنَّ جزءا متزايدا من الطاقة الحركية المُدْخلة إلى كرة الرصاص لم يُتَرْجَم بزيادة في سرعتها. لقد تُرْجِم بزيادة متعاظمة في كتلتها، فمعدل الزيادة في السرقة يتناقص، فيزداد مقدار الكتلة.

وكلما تسارع الجسم، أو الجسيم الذي له كتلة، اشتدت صعوبة جعله يسير بسرعة أكبر، فكتلته المتزايدة بسبب تسارعه تمنعه من أن يتسارع أكثر. تلك الصعوبة تغدو استحالة ما أن يصل الجسم، أو الجسيم، في تسارعه إلى "ضواحي" سرعة الضوء.

في الكون، ليس من شيء، ليس من جسم أو جسيم، لا يتحرَّك، فكل ما في الكون يتحرَّك (أي ينتقل من موضع إلى موضع في الفضاء). وحركة الأجسام، أو الجسيمات، ليست دائمة فحسب، وإنما معقَّدة مُركَّبة.

ولكن، كيف يمكننا وينبغي لنا فهم تلك الحركة؟ إنَّ بعضا من مفهوم الحركة في الكون قد جاءت به نظرية "الانفجار الكبير" Big Bang.

بحسب هذه النظرية، يتألَّف الكون من أجزاء، كل جزء منها "يتحرَّك" بعيدا عن سائر الأجزاء، وكأنَّ الأجزاء جميعا تتنافر تنافُر أقطاب مغناطيسية متماثلة. وكل جزء من هذه الأجزاء ليس بنجم، أو مجرة؛ ولكنه يضم نجوما ومجرات.

هناك من يعتقد أنَّ النجوم ضمن المجرة الواحدة، والمجرات ضمن مجموعة، أو تجمُّع، من المجرات، ليست هي التي تتنافر، فهذا التنافر إنما يقع، على ما يعتقدون، بين مجموعات، أو تجمُّعات، من المجرات. وهناك من يعتقد أنه يقع بين نُظِمٍ كونية أوسع من تلك.

ولكن علماء الكون من القائلين بنظرية "الانفجار الكبير" يتَّفقون على أنَّ الأجزاء الكونية تلك لا تتحرَّك "في" الفضاء، وإنما "مع" الفضاء، فالفضاء يتمدَّد كتمدُّد غشاء البالون عند نفخ البالون، والاستمرار في نفخه؛ أمَّا تلك الأجزاء فيبتعد بعضها عن بعض كما تبتعد نُقَطٌ نَقَّطْنا بها سطح البالون.

وهذا التباعد، أو التنافر، بين النقط، أو بين الأجزاء الكونية تلك، والذي يُوَلِّده تمدُّد الفضاء ذاته، إنما يقع على سطح جسم كروي، يسمَّى "الكون".

إنَّ كل جزء من الأجزاء الكونية تلك "يَظْهَر" على أنه يتحرَّك مبتعدا عن غيره على ما يشبه "محيط دائرة"، أي أنَّ الفضاء، الذي تتحرَّك "فيه" تلك الأجزاء كما يَظْهَر لنا، ليس "مسطَّحاً"، وإنَّما منحنياً، مقوَّساً، لا مكان فيه لـ "خطوط مستقيمة" كتلك التي نرسمها على ورقة.

دعونا نتصوَّر الكون أو نقبل تصوُّره على أنه "غشاء (أو سطح) بالون منتفخ ويزداد انتفاخا". ودعونا نقول معهم بأنَّ "الكون كله"، بفضائه ومجراته ونجومه وبكل مكوِّناته الأخرى، لا وجود له إلا على "سطح" البالون، أو في "غشائه"، أي أنَّ الكون لا وجود له، ولا لأي جزء منه، في "داخل البالون"، أو في "خارجه"، أو "حوله".

في هذا التصوُّر، لا بد لـ "النُقَط"، أي أجزاء الكون المتنافرة، التي نَقَّطْنا بها غشاء أو سطح البالون من أن تتنافر، أو أن تتحرَّك كل نقطة منها بعيدا عن سائر النقط، "بسبب" تمدُّد، أو انتفاخ، المادة المطاطية (التي نشبِّه "الفضاء" بها) المصنوع منها البالون.

كل نقطة تتألَّف من "مجموعات (أو نُقَط) عديدة"، كل مجموعة (أو نقطة) منها تتألَّف من "مجموعات من المجرات"، كل مجموعة منها تتألف من مجرات عديدة، كل مجرة منها تتألَّف من نجوم (وأجسام كونية أخرى) عديدة.

أجزاء الكون، التي شبَّهْناها بـ "النقط على سطح البالون"، تتحرَّك؛ ولكن "حركة ظاهرية"؛ لأنها لا تتحرَّك "في" الفضاء"، وإنما "معه"، و"به"، فالفضاء هو ذاته الذي يتمدَّد، فتتنافر وتتباعد أجزاء الكون.

على أنَّ "الحركة الظاهرية" لأجزاء الكون (أو نُقَطه) لا تعني أنْ ليس من وجود لـ "الحركة الفعلية"، ففي "الفضاء الداخلي" لكل جزء، أو نقطة، وفي الفضاء بين الأجزاء، أو النقط، أيضا، تتحرَّك، أو يمكن أن تتحرَّك، الأجسام والجسيمات.

إنَّها تتحرَّك "في" الفضاء"، الذي ليس "مسطَّحاً". إنَّها تسير في الفضاء في "خطوط مستقيمة"؛ ولكن السير في "خط مستقيم" في الفضاء إنَّما يشبه سَيْرَكَ في "خط مستقيم" ضمن "خط الاستواء" على الكرة الأرضية. أنتَ، في هذا المثال، تسير في "خط مستقيم"؛ ولكن المراقِب الذي يراقِب سيركَ من على سطح القمر، مثلا، يراكَ تسير في "خط دائري".

بحسب نظرية "التمدُّد الكوني" قد نرى "نقطة كونية" تسير بسرعة "شبه ضوئية". وقد نرى أنَّ التنافر بين "نقطتين كونيتين" يُوسِّع، في استمرار، "المسافة الفضائية" بينهما.

كلتا النقطتين تسير بسرعة "شبه ضوئية"؛ ولكن لا يمكن أن تبتعد كلتاهما عن الأخرى بسرعة تتجاوز سرعة الضوء. المراقِب في هذه النقطة الكونية أو تلك سيتأكَّد أنَّ النقطة الأخرى تبعد عن نقطته بسرعة تقل دائما عن 300 ألف كيلو متر في الثانية الواحدة بحسب ساعته.

ما معنى هذا؟ معناه أنَّ كل النقط على سطح البالون الكوني تتَّصل "اتِّصالاً ضوئيا" غير منقطع، أي لم ينقطع قط، ولن ينقطع أبدا. إنَّها، أي النقط على سطح البالون الكوني، في اتِّصال ضوئي دائم مذ شرع البالون الكوني يتمدَّد وينتفخ. ولسوف تظل كذلك إلى الأبد.

وفي كل ثانية، نرى كل نقطة من تلك النقط في "صورة ضوئية" جديدة، وإنْ "الْتُقِطَت" لها قبل مليارات السنين. "الآن"، الْتُقِطَت للنقطة الكونية A صورة جديدة. حامل هذه الصورة، أي الضوء، انطلق من تلك النقطة "الآن"، حاملا معه تلك الصورة إلى سكان الأرض.

لنتخيَّل أنَّ في مقدورنا رؤيته في أثناء رحلته الفضائية. إننا نراه يسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة بحسب ساعتنا الأرضية. لقد وصل إلينا حاملا معه تلك الصورة "الجديدة"؛ ولكن متى؟ بعد 10 مليارات سنة، مثلا، من التقاطها.

وهذا المقدار الزمني (10 مليارات سنة) لا بد له من أن يزداد ما استمر الكون في تمدُّده. قبل 15 مليار سنة، مثلا، كانت "الصورة الجديدة" تصلنا في زمن مقداره 10 سنوات، مثلا، بحسب الساعة الأرضية، فـ "الاتصال الضوئي الدائم" بين النقط على سطح البالون الكوني لا يعني أنَّ "الآن" عندنا، أي في الأرض، تشمل الكون كله، فنحن (سكان الأرض) في اتِّصالنا الضوئي الدائم مع سائر أجزاء الكون لا نرى "الآن" من "الصور الكونية" إلا ما "التُقِط" منها قبل مليارات السنين مثلا.

إنَّ النقط على سطح البالون الكوني تشبه في اتِّصالها الضوئي الدائم نقط تتَّصل كل نقطة منها مع سائر النقط بخيوط (متمدِّدة في استمرار) هي خيوط الضوء.

وفي هذا الاتِّصال الضوئي، وما يشبهه، تكمن "الوحدة العضوية للكون"، ويكمن سبب تفاعل أجزائه المختلفة، وتبادلها التأثير. وليس "الفعل الفيزيائي" سوى "تأثير مادي"، ينتقل من جسم إلى جسم، عَبْرَ "ناقِل"، هو جسيم، يسير (في الفضاء) بسرعة لا تتخطى سرعة الضوء. والزمن الذي يستغرقه وصول هذا التأثير يختلف باختلاف "المسافة الفضائية" بين الجسمين: الجسم المؤثِّر، أي الذي منه انطلق "التأثير"، والجسم المتأثِّر.

لا بدَّ لنظام الكون من أن يقوم على مبدأ "السرعة الكونية العظمى"، أي السرعة التي ليس من شيء، من جسم أو جسيم، يمكنه أن يتخطاها في انتقاله أو سيره في الفضاء. والسرعة التي يسير فيها الضوء في الفراغ (300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة) هي "السرعة الكونية العظمى". إنَّ "الكتلة" في الأجسام (وفي جسيمات عديدة) هي ما يمنع الجسم من التسارع حتى بلوغه سرعة الضوء.

ولكن ما السبب الذي يجعل النظام الكوني في حاجة إلى "السرعة الكونية العظمى"؟ السبب إنَّما هو "بقاء (واستمرار) الوحدة العضوية لأجزاء ومكوِّنات الكون"، فالكون جسد تتحد أعضاؤه اتحادا لا انفصام فيه"، فكيف يتَّحِد الكون؟ إنَّ الأجسام الكونية (المجرات والنجوم..) تتَّحِد "عَبْرَ" الفضاء، و"به".

اتِّحاد الكون معناه، أو في معنى من معانيه، هو "التأثير (المادي) المتبادل"، أو "تبادل التأثير (المادي)"، فكل جزء من الكون يجب أن يؤثِّر، وأن يتأثرَّ، بسائر أجزائه. وهذا "التأثير"، أو "التأثُّر"، ينتقل، عبر الفضاء، من جسم إلى جسم. وهناك "جسيمات" تقوم بـ "نقل"، أو "حَمْل"، "التأثير المادي"، أو "الفعل الفيزيائي"، من جسم إلى جسم.

وتوضيحا للفكرة، دعونا نتخيَّل أنَّ الجسم B يتحرَّك في الفضاء، مبتعداً عن الجسم A بسرعة تفوق سرعة الجسيم الناقل للتأثير من الجسم A إلى الجسم B. غني عن البيان أنَّ "التأثير" لن يصل أبدا إلى الجسم B. لو استحال هذا الوصول لانتفت الوحدة العضوية للكون.

مهما كان الجسم B بعيدا عن الجسم A ومهما كانت سرعة ابتعاده عنه فلا بد لـ "قذائف" الجسم A، أي الجسيمات المنبعثة من الجسم A والتي ينتقل عبرها تأثيره، أو فعله الفيزيائي، من أن تصل إلى الجسم B وتصيبه؛ لأن لا شيء في الكون يمكنه السير في الفضاء بسرعة تفوق سرعة تلك "القذائف"، التي تعدل سرعتها سرعة الضوء.

القول بـ "تمدُّد الفضاء"، وبما يُنْتِجه هذا التمدُّد من ارتداد لـ "النُقَط" على سطح البالون الكوني عن بعضها بعضا، لا يتعارض مع القول بانتقال الأجسام والجسيمات "في" الفضاء، فكل جسم، أو جسيم، يمكنه الانتقال من موضع إلى موضع في الفضاء؛ ولكن بسرعة لن تزيد، مهما تزايدت، عن سرعة الضوء. وهذا السير للأجسام والجسيمات في الفضاء لا يمكنه أن يكون إلا في خطٍّ منحنٍ؛ لأنَّ الفضاء ذاته منحنٍ. أمَّا سبب انحناء الفضاء فهو "الكتلة" و"الطاقة"، ففي كل موضع فضائي تَعْظُم فيه وتتركَّز الكتلة والطاقة يزداد ويشتد انحناء الفضاء (وتبطؤ حركة عقارب الساعة). إنَّ الفضاء حول الشمس، مثلا، أعظم انحناءً بكثير من انحنائه حول الأرض؛ لأنَّ كتلة الشمس أعظم بكثير من كتلة الأرض.

ولِفَهم "قانون السير الفضائي"، دعونا نمعن النظر في "الحركة" في داخل "الثقب الأسود" Black Hole. لا ضوء ينبعث من هذا الجسم الكوني لفرط جاذبيته، أي لفرط انحناء الفضاء في جواره. جسيمات الضوء (الفوتونات) التي نَفْتَرِض وجودها بين مركز "الثقب الأسود" ومحيطه تحاول دائما الإفلات من قبضته، أي الانتقال إلى الفضاء الخارجي باجتيازها محيط دائرة "الثقب الأسود"؛ ولكن محاولتها تبوء دائما بالفشل، فشعاع الضوء المنطلِق يسير "مُرْغَما" في خطٍّ دائري، يقع دائما بين مركز "الثقب الأسود" ومحيطه، أي أنَّ شعاع الضوء لا ينطلق إلا ليعود إلى النقطة التي انطلق منها، وكأنَّ مساره، أو خط سيره، "دائرة مقفلة". إنَّ مساره هو المسار الأكثر والأشد انحناء في الكون، فشعاع الضوء ما أن ينطلق حتى يُجرُّ ويُسْحَب إلى نقطة انطلاقه في داخل "الثقب الأسود". إنَّ "السرعة" هي القوة التي تسمح للجسم، أو الجسيم، بالإفلات من مسار فضائي شديد الانحناء. ولو كان في مقدور شعاع الضوء ذاك السير في سرعة تزيد عن 300 ألف كيلومتر في الثانية لأمكنه الإفلات من مداره الصغير هذا في داخل "الثقب الأسود"، ولانطلق بعيدا عنه في الفضاء الخارجي.

الجسم، أو الجسيم، لا يمكنه أن يسير في الفضاء إلا في خطٍّ منحنٍ، فإذا كان شديد الانحناء فإنه لن يتمكن من تخطيه والإفلات منه إلا إذا زاد سرعته بما يكفي. فإذا تخطاه وأفلت منه فإنه لا يتخطاه ويفلت منه إلا ليسير "مُرْغَما" في خط منحنٍ آخر. يسير فيه ولو "ظَنَّ" أنه يسير في "خط مستقيم". إنَّ انحناء الفضاء هو الذي "يُرْغِم" الأجسام على السير فيه في خطوط منحنية أو دائرية؛ وإنَّ سير الأجسام في خطوط منحنية أو دائرية هو الذي يُظْهِرها على أنها تخضع لتأثير "قوة الجاذبية".

في "حقل الجاذبية" Gravitational Field أي في فضاءٍ حول كوكب أو نجم أو مجرة.. يَتْبَع الجسم، في سيره، "الانحناء الزمكاني"، أي انحناء الفضاء (أو المكان) والزمان، ففي جوار نجم عظيم الكتلة لا بد لا بد للفضاء وخطوط السير فيه من أن تنحني أكثر، ولا بد للزمان من أن يتباطأ أكثر، ولا بد للأطوال من أن تتقلَّص أكثر.

وفي الجسم المتسارع، في أثناء سيره في الفضاء، لا بد للكتلة (أي كتلة هذا الجسم) من أن تَعْظُم، ولا بد لطوله من أن يتقلَّص وينكمش ويتضاءل في اتجاه حركته، مع بقاء عرضه وارتفاعه ثابتي المقدار، ولا بد لحجمه من أن يتضاءل، ولا بد لكثافته من أن تزداد، ولا بد لجاذبيته من أن تقوى وتشتد، ولا بد للفضاء من حوله من أن ينحني أكثر، ولا بد لنصف قطره من أن يَصْغُر، فتقوى وتشتد، بالتالي، الجاذبية عند سطحه، ولا بد للمسافة الفضائية بينه وبين الموضع الذي يتَّجه إليه من أن تُخْتَصَر وتتقلَّص وتنكمش، ولا بد لعقارب ساعته من أن تسير في بطء أشد.

في الجسم "المتسارع"، أو حيث تشتد الجاذبية، لا بد لكل تغيير من أن يبطؤ بالنسبة إلى "الساعة الأرضية" مثلا، وإنْ ظل بالسرعة ذاتها بالنسبة إلى الساعة في الجسم "المتسارع"، أو الساعة في موضع شديد الجاذبية. أنتَ في كوكب الأرض ينبض قلبكَ 72 نبضة في الدقيقة الواحدة بحسب ساعتكَ. ولو كنتَ في داخل ذلك الجسم "المتسارع" لظل قلبكَ ينبض 72 نبضة في الدقيقة الواحدة بحسب ساعتكَ. ولو كنتَ في ذلك الموضع شديد الجاذبية لظل قلبكَ ينبض 72 نبضة في الدقيقة الواحدة بحسب ساعتكَ. الفَرْق إنما نراه في مقدار الزمن الذي تتضمنه "الدقيقة الواحدة"، فالدقيقة الواحدة في هذا الموضع، وفي ذاك الجسم، قد تعدل دقائق، أو ساعات، أو سنوات، أرضية.

"الكتلة"، "الطول"، "الزمن"، في جسم يسير في الفضاء بسرعة "شبه ضوئية" تختلف، في قياسها، بين المراقِب المتحرِّك مع هذا الجسم وبين المراقب الأرضي. بالنسبة إلى المراقِب الأرضي، تزداد الكتلة في ذلك الجسم، ويقصر الطول، ويمر الزمن في بطء.

في الخلاصة نقول: افترضوا أنَّ الكوكب X يبعد عن الأرض 1000 ثانية ضوئية. إنَّ كل ثانية ضوئية تعدل 300,000 كيلومتر، فالضوء يقطع في كل ثانية مسافة 300,000 كيلومتر. هذا يعني أنَّ الكوكب X يبعد عن الأرض 300,000,000 كيلومتر (1000×300000=300000000).

إذا أردتَّ السفر إلى هذا الكوكب فإنَّكَ لن تصل إليه في زمن يقل عن 1000 ثانية، فأنتَ ليس في مقدوركَ أبدا أن تسير بسرعة أكبر من سرعة الضوء التي هي 300,000 كيلومتر في الثانية. وليس هذا فحسب، فأنتَ ليس في مقدوركَ أبدا أن تسير بسرعة تعدل سرعة الضوء. ينبغي لكَ أن تسير دائما بسرعة تقل ولو قليلا جدا عن 300,000 كيلومتر في الثانية.

لنفترِض، بالتالي، أنَّكَ سافرت إليه في مركبة فضائية سرعتها العظمى 290,000 كيلومتر في الثانية. ستصل إليه في زمن مقداره 1034 ثانية (300000000×290000=1034). إذا عُدَّتَ منه فورا إلى الأرض فإنَّ رحلتكَ، ذهابا وإيابا، ستستغرق 2068 ثانية (1034×2=2068). وفي خلال هذا المقدار من الزمن قطعت مركبتك، ذهابا وإيابا، مسافة 600000000 كيلومتر (300000000×2=600000000). كل هذا "الصواب" الذي ذكرناه تُخطِّئه نظرية "النسبية"!

إنَّ لآينشتاين، في هذا المثال الافتراضي، رأيا آخر، فهو يقول إنَّ ذاك المسافر سيصل إلى الكوكب X في زمن مقداره أقل بكثير من 1034 ثانية. سيصل إليه في زمن مقداره، مثلا، 10 ثوانٍ، بحسب ساعته هو، أي ساعة المسافر، فأنتَ يكفي أن تسير بسرعة "شبه ضوئية"، كسرعة المركبة تلك، حتى يتباطأ الزمن في مركبتكَ، وتتأخَّر، بالتالي، عقارب ساعتكَ.

هذا المسافر استخدم كل ما لديه من وسائل وطرائق وأساليب وأجهزة لقياس سرعة الضوء، في أثناء رحلته، فتوصَّل دائما إلى أنَّها 300,000 كيلومتر في الثانية. واستخدم كل ما لديه من وسائل وطرائق وأساليب وأجهزة لقياس سرعة مركبته، في أثناء رحلته، فتوصَّل إلى أنَّها 290,000 كيلومتر في الثانية، وإلى أنَّ مركبته، ومهما زادت سرعتها، لن تتمكَّن أبدا من السير في سرعة تعدل، أو تفوق، سرعة الضوء. هذا المسافر لم يبقَ لديه إلا أن يستنتج أنَّ المسافة الفضائية التي قطعتها مركبته قبل وصولها إلى الكوكب X كانت 2,900,000 كيلومتر، يقطعها الضوء في زمن مقداره، بحسب ساعة المركبة، 9.6 ثانية. إنَّ رحلته، ذهابا وإيابا، قد استغرقت، بحسب ساعته، 20 ثانية فحسب، قطع في خلالها مسافة فضائية لا تزيد عن 5,800,000 كيلومتر (2900000×2=5800000).

هذا المسافر عاد إلى الأرض؛ ولنفترِض أنَّ له توأما في الأرض. توأمه سيقول له: إنَّ رحلتكَ، ذهابا وإيابا، قد استغرقت 2068 ثانية، بحسب ساعة الأرض، قَطَعْتَ في خلالها مسافة فضائية مقدارها 600,000,000 كيلومتر. المسافر سيَعْتَرِض قائلا: رحلتي، ذهابا وإيابا، لم تستغرق أكثر من 20 ثانية، بحسب ساعتي، قَطَعْتُ في خلالها مسافة فضائية لا تزيد عن 5,800,000 كيلومتر.

العُمْر (الحقيقي) للمسافر زاد 20 ثانية فحسب؛ أمَّا العُمْر (الحقيقي) لتوأمه فزاد 2068 ثانية. إنَّ الثانية الواحدة عند المسافر كانت تعدل، في أثناء رحلته، نحو 103 ثوانٍ.

لقد "تسارعت" المركبة حتى بلغت سرعتها العظمى وهي 290,000 كيلومتر في الثانية. وفي هذا يكمن سر "التباطؤ الزمني"، الذي نراه، أيضا، في حال "الجاذبية القوية"، فإذا أقَمْتَ في كوكب جاذبيته تفوق كثيرا الجاذبية الأرضية فإنَّ توأمكَ على الأرض سيشيخ قبْلاً منكَ بكثير، فالثانية عندكَ تعدل مقدارا من الزمن الأرضي أكبر بكثير.

هذا "التباطؤ الزمني" مع سببيه (التسارع والجاذبية) قال به آينشتاين واكتشفه من غير أن نعرف كيف؛ ولكن الأبحاث والتجارب التي أجراها علماء، بعد آينشتاين، أكَّدت، غير مرَّة، صحة هذا الذي قال به، واكتشفه، آينشتاين.

"التباطؤ الزمني" إنَّما هو جزء من كل، فهو يَقْتِرِن، دائما، وحتما، بـ "اختصار وتقلُّص المسافة"، وبـ "انكماش طول الجسم في اتجاه حركته"، وبـ "تقلُّص حجم الجسم المتسارع"، وبـ "تزايد كتلته"، وبـ "تعاظم كثافته"، وبـ "اشتداد جاذبيته"، وبـ "تضاؤل نصف قطره" و"اشتداد الجاذبية عند سطحه" بالتالي، وبـ "تباطؤ التغيير" فيه، وبـ "اشتداد انحناء الفضاء من حوله".

ولكن بعض تلك الظواهر يدركه "المسافر"، وبعضها يدركه "المراقِب الأرضي" مثلا. "المسافر" يدركُ، مثلا، الآتي: أنَّ المسافة الفضائية بين مركبته وبين الكوكب الذي يتَّجه إليه قد اخْتُصِرَت وتقلَّصت، بالأمتار والزمن، وأنَّ سرعة الضوء لم تتغيَّر إذ ظلت 300,000 كيلومتر في الثانية، بحسب ساعته، وأنَّ سرعة مركبته ظلت دون سرعة الضوء.

"المراقِب الأرضي" يدركُ، مثلا، الآتي: أنَّ طول المركبة قد تقلَّص في اتجاه حركتها، وكذلك حجمها، وأنَّ المسافة الفضائية التي قطعتها المركبة لم تُخْتَصَر، لا بالأمتار ولا بالزمن، وأنَّ سرعة الضوء المنبعث من المركبة، مثلا، ظلت 300,000 كيلومتر في الثانية، وأنَّ سرعة المركبة ظلت دون سرعة الضوء.

إنَّكَ، في مُخْتَصَر القول، تستطيع أن تسافر إلى كوكب يبعد عن الأرض 100 مليون سنة ضوئية، مثلا، وأن تعود منه، من غير أن تسير بسرعة تفوق سرعة الضوء؛ لاستحالة ذلك، على أن تسير بسرعة "شبه ضوئية"!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أهي -بطولة- أم تمثيل لدور البطولة؟!
- حتى لا يحترق المسرح ويبقى الممثِّلون!
- عرب وغرب!
- حقيقة ما قاله بوش!
- لمواجهة الانقضاض العسكري الإسرائيلي الوشيك!
- دوحة الديمقراطية والسلام في الدوحة!
- التداول السلمي للسلطة!
- انفراج فلسطيني وشيك!
- فشل إدارة بوش إذ اكتمل وتأكد!
- المنجِّمون.. كيف يصدقون وكيف يكذبون؟
- هذا الفساد الذي لم ينجُ منه حتى الأطباء!
- الفقر
- الفلسطينيون.. خلاف حاضر وشرعية غائبة!
- عندما تشفق رايس على الفلسطينيين!
- -ديمقراطية- الطبيعة و-ديكتاتورية- التاريخ!
- -الفوضى البناءة- في وجهها النووي!
- آخر خيارات عباس
- سياسة -الإفقار الاقتصادي- للمواطن!
- حلٌّ يتحدى الفلسطينيين على الأخذ به!
- وزن -الكلمة-


المزيد.....




- حفل زفاف -أسطوري- لملياردير أمريكي في مصر وعمرو دياب في صدار ...
- بالفيديو.. ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يستقبل وزير الخار ...
- مقتل 3 فلسطينيين على الأقل جراء غارة جوية إسرائيلية على مخيم ...
- لقاءات بالرياض لبحث وقف إطلاق النار بغزة
- الحرس الثوري: هدفنا تأمين مياه الخليج
- ضغوط في الداخل والخارج.. هل يتراجع نتنياهو عن عملية رفح؟
- الحراك الداعم لغزة يتمدد.. قمع في السوربون وطلاب جامعة كولوم ...
- حزب الله يقصف مواقع إسرائيلية والاحتلال يكثف غاراته على جنوب ...
- تعرض سفينة لأضرار قبالة اليمن وإيطاليا تعلن إسقاط مسيرة للحو ...
- فرنسا.. أكفّ مطلية بالدماء تضامنا مع غزة تثير غضب مؤيدين لإس ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - -النسبية-.. آراء وأمثلة